هل أزفت ساعة التناوب : الماه ولد العويسى

ثلاثاء, 03/04/2018 - 07:15

لا صوت اليوم يعلو، علي حديث استعداد البلاد للدخول في مرحلة التناوب الديمقراطي على سدة الحكم ، وما يقتضيه ذلك من تنازل الرئيس الحالي عن مقعده الرئاسي، مفسحا المجال أمام خلف ستفرزه صناديق الاقتراع، عندما يَحينُ حين الاستحقاقات الرئاسية والتي ظللنا زمانها.، وبذلك تكون موريتانيا من بين دول عربية، وإفريقية،  تعد على أصابع اليد.، تأخذ بالنهج الديمقراطي، كوسيلة وأداة، لإدارة الشأن العام..   لكن هيهات.

بودي أن اعرف كيف استطاعت هذه الرؤية الموغلة في المثالية،  أن  تأسر  عقول ، وقلوب ، خلق كثير من فعالياتنا السياسية ، والأهلية ، حتى أصبحت في حكم المسلمة التي لا تقبل   الجدل.، وكم تزداد حسرتى ، وحيرتي، وأنا أرقب بعض قادة مشهدنا السياسي، وأرباب أحزابنا ، ومن يدور في فلكهم،. وقد شمروا عن ساعد الجد، فطفقوا يرسمون خططهم، ويضعون تصوراتهم، بل ويعقدون تحالفاتهم ، استعدادا لليوم الموعود، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء طرح سؤال، بسيط ومحدد وحاسم، ألا وهو: ما الذي   يا ترى ُيرغم المنظومة السياسية القائمة على ترك مكانها ؟!.

لن أعدم من بين هؤلاء وأولئك،  من يرد على تساؤلنا هذا ، بالزعم،  أن نجم الشعوب العربية قد بزغ  إثر الربيع العربي،  وأن القوى الحية  من قادة أحزابنا،  من معارضة ، وموالاة،.  وما هو عوان  بين ذلك ،  ستقف بالمرصاد،  لكل من تسول له نفسه المساس أو الانتقاص  من مكتسبنا الديمقراطي،.  وأن نص الدستور وروحه،  من الصرامة والوضوح بحيث لا يترك مجالا لأي  مناورة،  وأن أي جهد يرمى للالتفاف على الطابع الديمقراطي للدولة،  ومبدأ التداول الذي هو ُلحمة ، وسُدى ، العملية الديمقراطية برمتها ، يعد ضربا في حديد بارد..

لنترك جانبا من يلوك بين فكيه هذه التصورات،  والمبادئ ، والرؤى،  ولينصرف جهدنا إلى الوقوف على صدقية ،  وحقيقة ، كل حجة من هذه الحجج،  ومدى انطباقها على حالتنا الخاصة،  وواقعنا المعيش.

لا أحد فى بلادنا ومهما بلغ من مكابرة،.  بمقدوره الجزم أن الشعب سيهدر جهده ووقته وطاقته ، للوقوف فى وجه الدولة،  وأجهزتها وجبروتها، إذا ما هي أقدمت على تبنى < خيارات بدل أخرى .> ، وذلك لكون المجتمع الموريتاني – وهو ليس بدعا في ذلك – يعيش مع الدولة علاقة " أبوية"  ولا يكاد الواحد منا نحن معشر الموريتانيين،.  يتصور لنفسه وجودا بمعزل عن السلطة،.  والتي يستمد منها كامل قوته،  وكينونته.  وإذا كان الأمر يعرف فتورا، أو تراخيا،   لدى بعض الجهات أو الأشخاص،  نتيجة لظروف معينة وعوامل خاصة،  فإنه على نقيض ذلك لدى  السواد الأعظم من أبناء شعبنا ،.  لذلك فإن المراهنة على الشعب ودفعه ليكون رأس رمح أي مواجهة يعد رهانا خاسرا..،  ولنفترض جدلا أن هناك من يهتمون بأمر الديمقراطية،  ويحفلون بها،  ويهللون من أجلها..،  لكن أين هي  القوى والمرجعيات السياسية،  التي  ستؤطر هذه الجماهير،  وتدفع بها،  وتندفع وراءها على غرار وشاكلة ما نلحظه في بلاد ، و مجتمعات مختلفة ،  فلا أحد يجهل أو تخفى  عليه،  درجة زهد المواطن الموريتاني في" ساسته"، وأحزابه" و"قادة رأيه" ، ولعل أبرز مثال على ذلك – إن كان النهار يحتاج إلى دليل- هو غياب التأثير والروح الحميمية،  والتلاحمية ، بين "الرمز"   السياسي عندنا ، وقاعدته الشعبية،.  ولعل هذا ما يفسر من بين أمور أخرى،  التسرب ، والانتقال النشط ،  من أحزاب المعارضة نحو الموالاة ، أو أحزاب الدولة،  زد على ما تقدم أن المخيلة الاجتماعية عندنا،  ترى أن هدف كل معارضة هو لفت انتباه الجهات العليا ، والإشارة إليها بطرف خفي : إن عدتم عدنا..

إن " أحزابنا السياسية " ، ومن يقوم على أمرها ، من الوهن ، والهشاشة ، والخصاص ، بمنزلة تجعلها غير مؤهلة لإحداث التغيير السياسي المنشود ، أو لإاحتضانه ، . أو امتلاك آليات فرضه...

كما أن الأحداث الدراماتيكية، و التي نجمت عن ثورات ما اصطلح على نعته بالربيع العربي،  قد خلفت مناظرها،  ومآلاتها،  الأثر الصادم على الشعوب العربية ، من المحيط إلى الخليج،.  وأصبحت كل دعوة للاحتجاج،   ُينظر إليها شزرا ، ومن  المفارقة أن الشعوب والأقطار ، والتي  اكتوت  بنار الربيع العربي المزعوم،  نراها اليوم تحن إلى الماضي .

أما الدستور المسكين، الذي يُؤمن به أول النهار ، ويُكفر به آخره، فإنه لم يكن فى يوم من الأيام كابحا ، ولا صمام أمان .، أمام سطوة السلطة ، أو تواطؤ المعارضة .، فكم من مرة رأينا بأم أعيننا بعض" ساستنا"، " وملاك أحزابنا"،  يضربون به عرض الحائط،  ويكفرون بروحه ونصه ، فتراهم يباركون  الانقلابات العسكرية ، جهارا نهارا ، ويشدون من أزرها،   وطورا يحرضون عليها،  وآونة يهتفون برحيل أخرى ، قد تم انتخابها ، وهكذا دواليك... .ولو ُقدر لدستورنا النطق،  لصاح في وجه هؤلاء من خدعني مرة لا أثق فيه مطلقا..

من الخطأ ، و الخطل  ، أن يعتقد الواحد منا ، أن إحلال الديمقراطية ، وتقاليد التداول السلمي على السلطة ، والقطيعة التامة مع الشمولية السياسية ، تظل رهينة انتظارا لصدور قرار من السلطات المختصة . ، ساعتها نكون أمام ديمقراطية حقة ،. دون مراعاة للعوامل الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والتي لا يمكن لأي بناء ديمقراطي، يحظى بتلك الصفة، النهوض على قدميه بدونها، وقديما قيل: إن غناء بلبل واحد ليس كافيا لإستجلاب الربيع..

إن الوضعية الإقليمية المنذرة بالانفجار ، والمحيطة ببلادنا إحاطة السوار بالمعصم ، والخطوات البنيوية  والجبارة ، الهادفة إلى إعلاء شأن دولتنا ، وتقوية ركنها ، والدور الطلائعى،  والرائد ، الذي تضطلع به  قاريا ، وعربيا .، واستحسان جهات غربية وعربية ، نافذة ومؤثرة ، لمقارباتنا الأمنية ...، كلها أمور من الأهمية ، والخطورة ، بحيث يصعب تركها بين يدي حفنة من هواة السياسة.